في استوديو تسجيل خافت الإضاءة، يخيّم جو من الترقّب في الهواء. يجلس كورت كوباين على مقعدٍ مهترئ، وغيتاره مستند إلى ركبته. يخيّم صمت مهيب على الغرفة بينما يبدأ بالعزف، وأصابعه ترقص بخفةٍ متمرّسة على الأوتار. يخرج من الآلة صوتٌ خام غير مفلتر، مزيج من التغذية العكسية والتشويه يملأ المكان بإحساس من الإلحاح والحدة.
حين تنضمّ حنجرة كوباين إلى المشهد، تبدو كصدى شبحٍ آتٍ من عالمٍ آخر، مفعم بالعاطفة والألم. الكلمات التي يغنّيها نافذة إلى روحه؛ تعبيرٌ خام ومباشر عن أعمق أفكاره ومشاعره. يُلقي بكل كلمة بشعور من الإلحاح والتوتر، كأنّه يصبّ كامل وجوده في الموسيقى.
يراقب المنتج من خلف طاولة الصوت، وعيناه مثبتتان على كوباين بمزيج من الدهشة والإعجاب. يرى الشغف والتفاني في عينيه، وكيف يضيع تمامًا في الموسيقى ويتركها تلتهمه بالكامل. إنّه مشهدٌ آسر يملأ الغرفة بإحساس من الكهرباء والطاقة.
فجأة يتوقّف كوباين عن العزف، وتعلو وجهه ملامح الإحباط بينما يبحث عن الوتر الصحيح. يأخذ لحظة ليلتقط أنفاسه، يمرّر يده في شعره الأشعث، ثم يعود إلى الأغنية بعزيمة متجدّدة. تتصاعد الموسيقى وتتمدد، حتى تبلغ ذروة من العاطفة والقوة تكاد تتردّد أصداؤها على الجدران.
مع تلاشي النغمات الأخيرة، يتراجع كوباين إلى الخلف، وصدره يعلو ويهبط من شدّة الجهد، وعلى وجهه مزيج من الإرهاق والرضا. يقترب المنتج منه مبتسمًا بابتسامة إعجاب صادقة وهو يثني على أدائه، مدركًا أنّهما قد التقطا في ذلك الاستوديو شيئًا استثنائيًا سيظلّ يلامس المستمعين لسنوات طويلة قادمة.
مرحبًا، كيف يمكنني مساعدتك؟